عبدالله بن إدريس رحيل شاعر ومؤسس المشهد الأدبي السعودي

رحيل الأديب السعودي عبدالله بن إدريس في أكتوبر 2021 لم يكن مجرد خسارة شاعر، بل كان فقدانًا لمرحلة أدبية مميزة جمعت بين الأصالة والتجديد، والتوثيق والتعبير العميق.
ترك ابن إدريس بصمة لا تُنسى في الأدب السعودي، فهو يمثل حالة فكرية وجمالية لا تزال حية في الذاكرة. كان الراحل من أبرز الشخصيات التي شكلت الوعي الأدبي في المملكة على مدار نصف قرن، حيث جمع بين كونه شاعرًا وناقدًا ومثقفًا له دور فاعل في المؤسسات الثقافية. لقد استطاع أن يجمع بين الكلمة التي تعبر عن الذات والرؤية التي تساهم في بناء المشهد الثقافي العام.
ولد ابن إدريس في حرمة عام 1929، وعاصر فترة تحول المملكة من البساطة الريفية إلى الحداثة، وكان شاهدًا على التغيرات في اللغة والمشاعر. تجلت في شعره إنسانيته بشكل واضح، حيث كتب من صميم تجربته. تتميز لغته بالمتانة والاتزان، وتحمل إيقاعًا داخليًا حزينًا يميل إلى التأمل.
في ديوانه “في زورقي” الذي صدر بعد الخمسين، يظهر الشعر أكثر نضجًا، حيث يتناول الحب والغياب والقلق بصوت هادئ وحكيم. كان يرى أن القصيدة تعبير عن الصدق لا الزخرفة، لذلك ابتعد عن المبالغة في المجاز، واختار الوضوح الذي يلامس القلب.
يُعد كتابه “شعراء نجد المعاصرون” الذي صدر عام 1960، نقطة تحول في النقد الأدبي السعودي، حيث قدم أول دراسة شبه علمية للحركة الشعرية في نجد، وجمع بين التحليل والتوثيق، وقدم خريطة مبكرة لمفهوم “الهوية الشعرية” في المملكة. لقد فتح الباب لتأريخ المشهد الأدبي بوعي نقدي متقدم في وقت كانت الكتابة تعتمد على الانطباعية.
تقلد ابن إدريس مناصب عدة، منها أمانة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئاسة نادي الرياض الأدبي، واستطاع من خلالها أن يمارس دور المثقف المؤثر القادر على خلق بيئة ثقافية تثري الحركة الفكرية. كان يوازن بين المحافظة والانفتاح الإنساني، وحافظ على علاقة الأدب بالضمير الاجتماعي، دون الدخول في صراعات أو جدالات.
المصدر: https://www.okaz.com.sa/culture/culture/2216641?ref=rss&format=simple&link=link











