فن

الصورة القديمة حكاية لقاء ومشاعر لا تعكسها سيرة ذاتية

في لحظة خاطفة داخل أسوار المستشفى، تحولت زيارة عابرة إلى ذكرى أبدية، فرجل يصفه البعض بالمسن يتمسك بصورة قديمة ليست تمسكًا بالشباب، بل باليد التي التقطت تلك اللحظة الخالدة. الصورة تحمل في طياتها قصة لقاء غير متوقع في نهار خريفي، حيث كان ينتظر نتائج تحاليله في حديقة المستشفى.

هذا اللقاء الأول، الذي وقع أثناء موعد طبي، كان مفاجأة داخل يوم رتيب، شيء لا يراه العابرون، ولكنه يوقظ القلب. ففي لحظة، سحبت هاتفه والتقطت له صورة عفوية، وتوقفت كلماته أمام هذا الفعل التلقائي، لتقول بعدها “حتى أنا تأخرت عن تناول وجبتي مثلك تماماً”.

كانت هادئة تحاول التريث أمام هذا الكمّ الجارف من السعادة. سكتت مثله قليلاً، ثم مدّت يدها تجاه يده ليطمئنَّ، قبضت على كفه حتى استرخى، شعر بقوة مشاعرها تنساب في يده، تُكرِّرُ استعمالَ فِعْلِ الأمر بصوتها: «اهدأ… اهدأ…».

بعد لحظات من الصمت المطبق، اعتذرت عن المفاجأة، معبرة عن عدم قدرتها على تركه ينتظر وحيدًا وهي قريبة منه. أمضيا معظم الوقت بكلمات قليلة، تحمل ذكريات تسعى لتأويلها حتى اليوم.

لا يتذكر تفاصيل اللقاء بوضوح، لكن الصورة تبقى شاهدة على تلك اللحظة، فاليد التي التقطتها اقتحمت الصورة قليلاً، وهذا ما يجعله يتذكرها دائمًا، فالصورة تكتمل في عقله فجأة، وتهرب مثل صاحبتها، كمنامٍ يسابق النسيان.

ضحكتها انعكست على وجهه الذي استرخى حتى ما عاد يُعرَف، يدها لم تتركه بغضِّ النظر عن سنوات الغياب… وسامتُهُ في الصورة وسامة عاشق، ونظراته الدافئة ما زالت لها وحدها.

بعد سنوات، حين أصبح التعرف عليه أمرًا صعبًا، أدرك أن تأثيرها انعكس عليه بشكل عميق، حتى كادت هويته تكون امرأة غائبة، تحتفظ بجزء من يدها في الصورة كأثر لجريمة كاملة.

هو يدرك خطورة الصورة بأكثر من وجهٍ حتى مع هذه الالتقاطة، فما زالت خطيرةً بوجوهها العديدة مهما تخفَّت أجزاؤها وتراكمت في صندوق الزمن.

تلك الصورة تعني له ما لا تعنيه سيرته الذاتية، فسيرتُهُ برتابَتِها توافِقُ ملامحه الحاليَّة، توافِقُها ببلاغةٍ لم يلتقطها له أحدٌ بعدُ.

المصدر: https://www.okaz.com.sa/culture/culture/2218077?ref=rss&format=simple&link=link

زر الذهاب إلى الأعلى